عندما يحل ضيف عزيز لزيارة أحدنا يستعد لاستقباله أتم الاستعداد، ويسعى
جاهداً لتوفير ما يحبه الضيف، وعندما يبدأ العام الدراسي نستعد له أتم
الاستعداد كذلك، وهكذا الحال في مواسم الإجازات، فماذا عن شهر رمضان؟
عادة ما يستقبل شهر رمضان بالتزود بالأطعمة المتنوعة المتعددة الأصناف،
حتى أصبحت سمة من سمات هذا الشهر، وهذا أمر لا ضير فيه طالما بقي في
حدود المقبول والمعقول ولم يصل إلى حد الإسراف.
إلا أننا يجب أن يتجاوز استعدادنا واستقبالنا لهذا الشهر شراء قائمة
الأطعمة إلى أمور أخرى من أجلها فرض الصوم، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, ولكن النفس إن لم تتهيأ وتستعد له
فإنه قد يمضى عليها هذا الشهر كما مضى غيره، ومهما كان حماسها في أوله
فإنه قد يفتر ويضعف، وقد تفوت الأيام المعدودات دون أن يشعر.
لذا فإن علينا تهيئة نفوسنا وبيوتنا استعداداً لاستقبال هذا الشهر، لكي
تنال نفوسنا حظها من المغفرة في هذا الشهر، وتنال من ثمرة التقوى،
وتخرج من مدرسة الصوم وهي رابحة فائزة مقبولة بإذن الله.
ولعل مما يهيئ النفس لاستقبال رمضان الدعاء ببلوغه فقد كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا
رمضان" أخرجه أحمد.
كما ينبغي على المسلم أن يفرح بقدوم الشهر ويسعى لإدخال السرور على
أهله، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بقدوم
شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان, شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه
فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم" أخرجه أحمد.
وإن من خير ما يستقبل به شهر رمضان التوبة لله عز وجل، وأن يحاسب
الإنسان نفسه، ولنعلم أن فضل الله واسع، وقد قال عليه الصلاة والسلام:
" الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما
بينهن، إذا اجتنب الكبائر " أخرجه مسلم.
ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم
خيرها فقد حرم، فهلموا إلى التنافس في هذا الموسم، فقد لا يتكرر.
ولنتذكر إخوة لنا كانوا معنا في رمضان مضى ولم يدركوه هذا العام،
ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم في خوف وجوع وعطش وحصار، ولنتذكر
إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم محرومون من رؤية ذويهم وأهلهم، ولنشكر
الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلينا ألا ننسى إخواننا
من الدعاء في شهر الدعاء، وليس سراً أن تختم آيات الصيام بقول المولى
عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا
بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)، وفق الله الجميع للصيام
والقيام إيماناً واحتساباً.